الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* وَكَانَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ تَجْلِسُ فِي صَلَاتِهَا جِلْسَةَ الرَّجُلِ وَكَانَتْ فَقِيهَةً الشرح: قوله: (باب سنة الجلوس في التشهد) أي السنة في الجلوس الهيئة الآتي ذكرها، ولم يرد أن نفس الجلوس سنة. ويحتمل إرادته على أن المراد بالسنة الطريقة الشرعية التي هي أهم من الواجب والمندوب. وقال الزين بن المنير: ضمن هذه الترجمة ستة أحكام، وهي أن هيئة الجلوس غير مطلق الجلوس، والتفرقة بين الجلوس للتشهد الأول والأخير وبينهما وبين الجلوس بين السجدتين، وأن ذلك كله سنة، وأن لا فرق بين الرجال والنساء، وأن ذا العلم يحتج بعمله ا هـ. وهذا الأخير إنما يتم إذا ضم أثر أم الدرداء إلى الترجمة، وقد تقدم تقرير ذلك، وأثر أم الدرداء المذكور وصله المصنف في التاريخ الصغير من طريق مكحول باللفظ المذكور، وأخرجه ابن أبي شيبة من هذا الوجه، لكن لم يقع عنده قول مكحول في آخره " وكانت فقيهة " فجزم بعض الشراح بأن ذلك من كلام البخاري لا من كلام مكحول، فقال مغلطاي: القائل: " وكانت فقيهة " هو البخاري فيما أرى. وتبعه شيخنا ابن الملقن فقال: الظاهر أنه قول البخاري ا هـ. وليس كما قالا، فقد رويناه تاما في مسند الفريابي أيضا بسنده إلى مكحول، ومن طريقة البخاري أن الدليل إذا كان عاما وعمل بعمومه بعض العلماء رجح به وإن لم يحتج به بمجرده، وعرف من رواية مكحول أن المراد بأم الدرداء الصغرى التابعية لا الكبرى الصحابية لأنه أدرك الصغرى ولم يدرك الكبرى، وعمل التابعي بمفرده ولو لم يخالف لا يحتج به، وإنما وقع الاختلاف في العمل بقول الصحابي كذلك، ولم يورد البخاري أثر أم الدرداء ليحتج به بل للتقوية. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلَاةِ إِذَا جَلَسَ فَفَعَلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ فَنَهَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتَثْنِيَ الْيُسْرَى فَقُلْتُ إِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ رِجْلَيَّ لَا تَحْمِلَانِي الشرح: قوله: (عن عبد الله بن عبد الله) أي ابن عمر، وهو تابعي ثقة سمي باسم أبيه وكني بكنيته. قوله: (أنه أخبره) صريح في أن عبد الرحمن بن القاسم حمله عنه بلا واسطة، وقد اختلف فيه الرواة عن مالك فأدخل معن بن عيسى وغيره عنه فيه - بين عبد الرحمن بن القاسم وعبد الله بن عبد الله - القاسم بن محمد والد عبد الرحمن، بين ذلك الإسماعيلي وغيره، فكأن عبد الرحمن سمعه من أبيه عنه، ثم لقيه أو سمعه منه معه وثبته فيه أبوه. قوله: (وتثني اليسرى) لم يبين في هذه الرواية ما يصنع بعد ثنيها هل يجلس فوقها أو يتورك، ووقع في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد فنصب رجله اليمنى وثنى اليسرى وجلس على وركه اليسرى ولم يجلس على قدمه ثم قال: أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك. فتبين من رواية القاسم ما أجمل في رواية ابنه، وإنما اقتصر البخاري على رواية عبد الرحمن لتصريحه فيها بأن ذلك هو السنة لاقتضاء ذلك الرفع، بخلاف رواية القاسم، ورجح ذلك عنده حديث أبي حميد المفصل بين الجلوس الأول والثاني، على أن الصفة المذكورة قد يقال إنها لا تخالف حديث أبي حميد لأن في الموطأ أيضا عن عبد الله بن دينار التصريح بأن جلوس ابن عمر المذكور كان في التشهد الأخير، وروى النسائي من طريق عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أن القاسم حدثه عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال " من سنة الصلاة أن ينصب اليمنى ويجلس على اليسرى " فإذا حملت هذه الرواية على التشهد الأول ورواية مالك على التشهد الأخير انتفى عنهما التعارض ووافق ذلك التفصيل المذكور في حديث أبي حميد، والله أعلم. قوله: (فقلت إنك تفعل ذلك) أي التربع قال ابن عبد البر: اختلفوا في التربع في النافلة وفي الفريضة للمريض، وأما الصحيح فلا يجوز له التربع في الفريضة بإجماع العلماء، كذا قال، وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال " لأن أقعد على رضفتين أحب إلي من أن أقعد متربعا في الصلاة " وهذا يشعر بتحريمه عنده، ولكن المشهور عن أكثر العلماء أن هيئة الجلوس في التشهد سنة، فلعل ابن عبد البر أراد بنفي الجواز إثبات الكراهة. قوله: (إن رجلي) كذا للأكثر. وفي رواية حكاها ابن التين " أن رجلاي " ووجهها على أن " إن " بمعنى نعم، ثم استأنف فقال " رجلاي لا تحملاني " أو على اللغة المشهورة لغة بني الحارث، ولها وجه آخر لم يذكره، وقد ذكرت الأوجه في قراءة من قرأ قوله: (لا تحملاني) بتشديد النون ويجوز التخفيف. الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ وَحَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ وَيَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَا صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُهُ إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ وَسَمِعَ اللَّيْثُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ وَيَزِيدُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَلْحَلَةَ وَابْنُ حَلْحَلَةَ مِنْ ابْنِ عَطَاءٍ قَالَ أَبُو صَالِحٍ عَنْ اللَّيْثِ كُلُّ فَقَارٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُ كُلُّ فَقَارٍ الشرح: قوله: (عن خالد) هو ابن يزيد الجمحي المصري، وهو من أقران سعيد بن أبي هلال شيخه في هذا الحديث. قوله: (قال حدثنا الليث) قائل ذلك هو يحيى بن بكير المذكور. والحاصل أن بين الليث وبين محمد ابن عمرو بن حلحلة في الرواية الأولى اثنين، وبينهما في الرواية الثانية واسطة واحدة، ويزيد بن أبي حبيب مصري معروف من صغار التابعين، ويزيد بن محمد رفيقه في هذا الحديث من بني قيس بن مخرمة بن المطلب مدني سكن مصر، وكل من فوقهم مدني أيضا، فالإسناد دائر بين مدني ومصري. وأردف الرواية النازلة بالرواية العالية على عادة أهل الحديث، وربما وقع لها ضد ذلك لمعنى مناسب. قوله: (أنه كان جالسا في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية كريمة " مع نفر " وكذا اختلف على عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء، ففي رواية عاصم عنه عند أبي داود وغيره " سمعت أبا حميد في عشرة". وفي رواية هشيم عنه عند سعيد بن منصور " رأيت أبا حميد مع عشرة " ولفظ " مع " يرجح أحد الاحتمالين في لفظ " في " لأنها محتملة لأن يكون أبو حميد من العشرة أو زائدا عليهم، ثم إن رواية الليث ظاهرة في اتصاله بين محمد بن عمرو وأبي حميد، ورواية عبد الحميد صريحة في ذلك. وزعم ابن القطان تبعا للطحاوي أنه غير متصل لأمرين: أحدهما أن عيسى بن عبد الله بن مالك رواه عن محمد بن عمرو بن عطاء فأدخل بينه وبين الصحابة عباس بن سهل أخرجه أبو داود وغيره، ثانيهما أن في بعض طرقه تسمية أبي قتادة في الصحابة المذكورين وأبو قتادة قديم الموت يصغر سن محمد بن عمرو ابن عطاء عن إدراكه. والجواب عن ذلك: أما الأول فلا يضر الثقة المصرح بسماعه أن يدخل بينه وبين شيخه واسطة، إما لزيادة في الحديث، وإما ليثبت فيه، وقد صرح محمد بن عمرو المذكور بسماعه فتكون رواية عيسى عنه من المزيد في متصل الأسانيد، وأما الثاني فالمعتمد فيه قول بعض أهل التاريخ إن أبا قتادة مات في خلافة علي وصلى عليه علي وكان قتل علي سنة أربعين وأن محمد بن عمرو بن عطاء مات بعد سنة عشرين ومائة وله نيف وثمانون سنة فعلى هذا لم يدرك أبا قتادة، والجواب أن أبا قتادة اختلف في وقت موته، فقيل مات سنة أربع وخمسين وعلى هذا فلقاء محمد له ممكن، وعلى الأول فلعل من ذكر مقدار عمره أو وقت وفاته وهم، أو الذي سمي أبا قتادة في الصحابة المذكورين وهم في تسميته، ولا يلزم من ذلك أن يكون الحديث الذي رواه غلطا لأن غيره ممن رواه معه عن محمد بن عمرو بن عطاء أو عن عباس ابن سهل قد وافقه. (فائدة) : سمي من النفر المذكورين في رواية فليح عن عباس بن سهل مع أبي حميد أبو العباس سهل بن سعد وأبو أسيد الساعدي ومحمد بن مسلمة أخرجها أحمد وغيره، وسمي منهم في رواية عيسى ابن عبد الله عن عباس المذكورون سوى محمد بن مسلمة فذكر بدله أبو هريرة أخرجها أبو داود وغيره، وسمي منهم في رواية ابن إسحاق عن عباس عند ابن خزيمة. وفي رواية عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء عند أبي داود والترمذي أبو قتادة. وفي رواية عبد الحميد المذكورة أنهم كانوا عشرة كما تقدم، ولم أقف على تسمية الباقين. وقد اشتمل حديث أبي حميد هذا على جملة كثيرة من صفة الصلاة، وسأبين ما في رواية غير الليث من الزيادة ناسبا كل زيادة إلى مخرجها إن شاء الله تعالى. وقد أشرت قبل إلى مخارج الحديث، لكن سياق الليث فيه حكاية أبي حميد لصفة الصلاة بالقول، وكذا في رواية كل من رواه عن محمد بن عمرو بن حلحلة، ونحوه رواية عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء، ووافقهما فليح عن عباس بن سهل، وخالف الجميع عيسى بن عبد الله عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عباس فحكى أن أبا حميد وصفها بالفعل ولفظه عند الطحاوي وابن حبان " قالوا فأرنا، فقام يصلي وهم ينظرون، فبدأ فكبر " الحديث. ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يكون وصفها مرة بالقول ومرة بالفعل، وهذا يؤيد ما جمعنا به أولا، فإن عيسى المذكور هو الذي زاد عباس بن سهل بين محمد بن عمرو بن عطاء وأبي حميد، فكأن محمدا شهد هو وعباس حكاية أبي حميد بالقول فحملها عنه من تقدم ذكره، وكأن عباسا شهدها وحده بالفعل فسمع ذلك منه محمد بن عطاء فحدث بها كذلك، وقد وافق عيسى أيضا عنه عطاف بن خالد لكنه أبهم عباس بن سهل أخرجه الطحاوي أيضا، ويقوي ذلك أن ابن خزيمة أخرج من طريق ابن إسحاق أن عباس بن سهل حدثه فساق الحديث بصفة الفعل أيضا، والله أعلم. قوله: (أنا كنت أحفظكم) زاد عبد الحميد " قالوا فلم؟ فوالله ما كنت بأكثرنا له اتباعا - وفي رواية الترمذي إتيانا - ولا أقدمنا له صحبة". وفي رواية عيسى بن عبد الله " قالوا فكيف؟ قال: اتبعت ذلك منه حتى حفظته " زاد عبد الحميد " قالوا فاعرض " وفي روايته عند ابن حبان " استقبل القبلة ثم قال: الله أكبر"، وزاد فليح عند ابن خزيمة فيه ذكر الوضوء. قوله: (جعل يديه حذو منكبيه) زاد ابن إسحاق " ثم قرأ بعض القرآن " ونحوه لعبد الحميد. قوله: (ثم هصر ظهره) بالهاء والصاد المهملة المفتوحتين، أي ثناه في استواء من غير تقويس ذكره الخطابي. وفي رواية عيسى " غير مقنع رأسه ولا مصوبه " ونحوه لعبد الحميد. وفي رواية فليح عند أبي داود " فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما " ووتر يديه فتجافى عن جنبيه " وله في رواية ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب " وفرج بين أصابعه". قوله: (فإذا رفع رأسه استوى) زاد عيسى عند أبي داود " فقال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد، ورفع يديه"، ونحوه لعبد الحميد وزاد " حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلا". قوله: (حتى يعود كل فقار) الفقار بفتح الفاء والقاف جمـع فقارة وهي عظام الظهر، وهي العظام التي يقال لها خرز الظهر قاله القزاز. وقال ابن سيده: هي من الكاهل إلى العجب، وحكى ثعلب عن نوادر بن الأعرابي أن عدتها سبعة عشر. وفي أمالي الزجاج: أصولها سبع غير التوابع وعن الأصمعي: هي خمس وعشرون، سبع في العنق وخمس في الصلب وبقيتها في أطراف الأضلاع، وحكي في المطالع أنه وقع في رواية الأصيلي بفتح الفاء ولابن السكن بكسرها، والصواب بفتحها، وسيأتي ما فيه في آخر الحديث والمراد بذلك كمال الاعتدال. وفي رواية هشيم عن عبد الحميد " ثم يمكث قائما حتى يقع كل عظم موقعه". قوله: (فإذ سجد وضع يديه غير مفترش) أي لهما، ولابن حبان من رواية عتبة بن أبي حكيم عن عباس بن سهل " غير مفترش ذراعيه". قوله: (ولا قابضهما) أي بأن يضمهما إليه. وفي رواية عيسى " فإذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء منهما " وفي رواية عتبة المذكورة " ولا حامل بطنه على شيء من فخذيه " وفي رواية عبد الحميد " جافى يديه عن جنبيه " وفي رواية فليح " ونحى يديه عن جنبيه ووضع يديه حذو منكبيه " وفي رواية ابن إسحاق " فاعلو لي على جنبيه وراحتيه وركبتيه وصدور قدميه حتى رأيت بياض إبطيه ما تحت منكبيه، ثم ثبت حتى اطمأن كل عظم منه، ثم رفع رأسه فاعتدل " وفي رواية عبد الحميد " ثم يقول الله أكبر ويرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه " ونحوه في رواية عيسى بلفظ " ثم كبر فجلس فتورك ونصب قدمه الأخرى ثم كبر فسجد " وهذا يخالف رواية عبد الحميد في صفة الجلوس، ويقوي رواية عبد الحميد ورواية فليح عند ابن حبان بلفظ " كان إذا جلس بين السجدتين افترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته " أورده مختصرا هكذا في كتاب الصلاة له. وفي رواية ابن إسحاق خلاف الروايتين ولفظه " فاعتدل على عقبيه وصدور قدميه " فإن لم يحمل على التعدد وإلا فرواية عبد الحميد أرجح. قوله: (فإذا جلس في الركعتين) أي الأوليين ليتشهد. وفي رواية فليح " ثم جلس فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته ووضع كفه على ركبته اليمنى وكفه اليسرى على ركبته اليسرى وأشار بإصبعه " وفي رواية عيسى بن عبد الله " ثم جلس بعد الركعتين حتى إذا هو أراد أن ينهض إلى القيام قام بتكبيرة " وهذا يخالف في الظاهر رواية عبد الحميد حيث قال " إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه كما كبر عند افتتاح الصلاة " ويمكن الجمع بينهما بأن التشبيه واقع على صفة التكبير لا على محله، ويكون معنى قوله " إذا قام " أي أراد القيام أو شرع فيه. قوله: (وإذا جلس في الركعة الآخرة الخ) في رواية عبد الحميد " حتى إذا كانت السجدة التي يكون فيها التسليم " وفي روايته عند ابن حبان " التي تكون خاتمة الصلاة أخرج رجله اليسرى وقعد متوركا على شقه الأيسر " زاد ابن إسحاق في روايته " ثم سلم " وفي رواية عيسى عند الطحاوي " فلما سلم سلم عن يمينه سلام عليكم ورحمة الله وعن شماله كذلك " وفي رواية أبي عاصم عن عبد الحميد عند أبي داود وغيره " قالوا - أي الصحابة المذكورون - صدقت، هكذا كان يصلي " وفي هذا الحديث حجة قوية للشافعي ومن قال بقوله في أن هيئة الجلوس في التشهد الأول مغايرة لهيئة الجلوس في الأخير، وخالف في ذلك المالكية والحنفية فقالوا: يسوى بينهما، لكن قال المالكية: يتورك فيهما كما جاء في التشهد الأخير، وعكسه الآخرون. وقد قيل في حكمة المغايرة بينهما أنه أقرب إلى عدم اشتباه عدد الركعات، ولأن الأول تعقبه حركة بخلاف الثاني، ولأن المسبوق إذا رآه علم قدر ما سبق به، واستدل به الشافعي أيضا على أن تشهد الصبح كالتشهد الأخير من غيره لعموم قوله " في الركعة الأخيرة"، واختلف فيه قول أحمد، والمشهور عنه اختصاص التورك بالصلاة التي فيها تشهدان. وفي الحديث من الفوائد أيضا جواز وصف الرجل نفسه بكونه أعلم من غيره إذا أمن الإعجاب وأراد تأكيد ذلك عند من سمعه لما في التعليم والأخذ عن الأعلم من الفضل. وفيه أن " كان " تستعمل فيما مضى وفيما يأتي لقول أبي حميد كنت أحفظكم وأراد استمراره على ذلك أشار إليه ابن التين. وفيه أنه كان يخفى على الكثير من الصحابة بعض الأحكام المتلقاة عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما تذكره بعضهم إذا ذكر. وفي الطرق التي أشرت إلى زيادتها جملة من صفة الصلاة ظاهرة لمن تدبر ذلك وتفهمه. قوله: (وسمع الليث الخ) إعلام منه بأن العنعنة الواقعة في إسناد هذا الحديث بمنزلة السماع، وهو كلام المصنف، ووهم من جزم بأنه كلام يحيى بن بكير، وقد وقع التصريح بتحديث ابن حلحلة ليزيد في رواية ابن المبارك كما سيأتي. قوله: (وقال أبو صالح عن الليث) يعني بإسناده الثاني عن اليزيدين، كذلك وصله الطبراني عن مطلب بن شعيب وابن عبد البر من طريق قاسم بن أصبغ كلاهما عن أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث، ووهم من جزم بأن أبا صالح هنا هو ابن عبد الغفار الحراني. قوله: (كل قفار) ضبط في روايتنا بتقديم القاف على الفاء، وكذا للأصيلي، وعند الباقين بتقديم الفاء كرواية يحيى بن بكير، لكن ذكر صاحب المطالع أنهم كسروا الفاء، وجزم جماعة من الأئمة بأن تقديم القاف تصحيف. وقال ابن التين: لم يتبين لي وجهه. قوله: (وقال ابن المبارك الخ) وصله الجوزقي في جمعه وإبراهيم الحربي في غريبه وجعفر الفريابي في صفة الصلاة كلهم من طريق ابن المبارك بهذا الإسناد، ووقع عندهم بلفظ " حتى يعود كل فقار مكانه " وهي نحو رواية يحيى بن بكير، ووقع في رواية الكشميهني وحده " كل فقاره " واختلف في ضبطه فقيل بهاء الضمير وقيل بهاء التأنيث أي حتى تعود كل عظمة من عظام الظهر مكانها، والأول معناه حتى يعود جميع عظام ظهره. وأما رواية يحيى بن بكير ففيها إشكال، وكأنه ذكر الضمير لأنه أعاده على لفظ الفقار، والمعنى حتى يعود كل عظام مكانها، أو استعمل الفقار للواحد تجوزا. *3* لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَرْجِعْ الشرح: قوله: (باب من لم ير التشهد الأول واجبا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الركعتين ولم يرجع) قال الزين بن المنير: ذكر في هذه الترجمة الحكم ودليله، ولم يثبت الحكم مع ذلك كأن يقول باب لا يجب التشهد الأول، وسببه ما يطرق الدليل المذكور من الاحتمال. وقد أشار إلى معارضته في الترجمة التي تلي هذه حيث أوردها بنظير ما أورد به الترجمة التي بعدها، وفي لفظ حديث الباب فيها ما يشعر بالوجوب حيث قال " وعليه جلوس " وهو محتمل أيضا، وسيأتي الكلام على حديث التشهد، وورد الأمر بالتشهد الأول أيضا. ووجه الدلالة من حديث الباب أنه لو كان واجبا لرجع إليه لما سبحوا به بعد أن قام كما سيأتي بيانه في الكلام على حديث الباب في أبواب سجود السهو، ويعرف منه أن قول ناصر الدين بن المنير في الحاشية: لو كان واجبا لسبحوا به ولم يسارعوا إلى الموافقة على الترك، غفلة عن الرواية المنصوص فيها على أنهم سبحوا به، قال ابن بطال: والدليل على أن سجود السهو لا ينوب عن الواجب أنه لو نسي تكبيرة الإحرام لم تجبر فكذلك التشهد، ولأنه ذكر لا يجهر به بحال فلم يجب كدعاء الافتتاح، واحتج غيره بتقريره صلى الله عليه وسلم الناس على متابعته بعد أن علم أنهم تعمدوا تركه، وفيه نظر. وممن قال بوجوبه الليث وإسحاق وأحمد في المشهور وهو قول للشافعي. وفي رواية عند الحنفية. واحتج الطبري لوجوبه بأن الصلاة فرضت أولا ركعتين وكان التشهد فيها واجبا فلما زيدت لم تكن الزيادة مزيلة لذلك الواجب. وأجيب بأن الزيادة لم تتعين في الأخيرتين بل يحتمل أن يكونا هما الفرض الأول والمزيد هما الركعتان الأولتان بتشهدهما، ويؤيده استمرار السلام بعد التشهد الأخير كما كان، واحتج أيضا بأن من تعمد ترك الجلوس الأول بطلت صلاته، وهذا لا يرد لأن من لا يوجبه لا يبطل الصلاة بتركه. قوله: (التشهد) هو تفعل من تشهد، سمي بذلك لاشتماله على النطق بشهادة الحق تغليبا لها على بقية أذكاره لشرفها. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ مَوْلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَالَ مَرَّةً مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ بُحَيْنَةَ وَهُوَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءة وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ الظَّهْرَ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ لَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلَاةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ سَلَّمَ الشرح: قوله: (حدثني عبد الرحمن بن هرمز) هو الأعرج المذكور في الإسناد الذي بعده. قوله: (مولى بني عبد المطلب وقال مرة) أي الزهري (مولى ربيعة بن الحارث) ولا تنافي بينهما لأنه مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فذكره أولا بجد مواليه الأعلى وثانيا بمولاه الحقيقي. قوله: (أزد شنوءة) بفتح الهمزة وسكون الزاي بعدها مهملة ثم معجمة مفتوحة ثم نون مضمومة وهمزة مفتوحة وزن فعولة قبيلة مشهورة. قوله: (حليف لبني عبد مناف) صواب لأن جده حالف المطلب بن عبد مناف، قاله ابن سعد وغيره، وسيأتي ما فيه في أبواب سجود السهو إن شاء الله تعالى. قوله: (فقام في الركعتين الأوليين لم يجلس) أي للتشهد، ووقع في رواية ابن عساكر " ولم يجلس " بزيادة واو، وفي صحيح مسلم " فلم يجلس " بالفاء، وسيأتي في السهو كذلك، قال ابن رشيد: إذا أطلق في الأحاديث الجلوس في الصلاة من غير تقييد فالمراد به جلوس التشهد، وبهذا يظهر وجه مناسبة الحديث للترجمة. *3* الشرح: قوله (باب التشهد في الأولى) أي الجلسة الأولى من ثلاثية أو رباعية قال الكرماني: الفرق بين هذه الترجمة والتي قبلها أن الأولى لبيان عدم وجوب التشهد الأول والثانية لبيان مشروعيته أي والمشروعية أعم من الواجب والمندوب الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ فَقَامَ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ الشرح: قوله: (بكر) هو ابن مضر، وعبد الله بن مالك بن بحينة هو عبد الله بن بحينة المذكور في الإسناد الذي قبله، وبحينة والدة عبد الله على المشهور فينبغي أن تثبت الألف في ابن بحينة إذا ذكر مالك ويعرب إعراب عبد الله. (فائدة) : لا خلاف في أن ألفاظ التشهد في الأولى كالتي في الأخيرة، إلا ما روى الزهري عن سالم قال: وكان ابن عمر لا يسلم في التشهد الأول، كان يرى ذلك نسخا لصلاته. قال الزهري: فأما أنا فأسلم، يعني قوله " السلام عليك أيها النبي - إلى - الصالحين " هكذا أخرجه عبد الرزاق. *3* الشرح: قوله: (باب التشهد في الآخرة) أي الجلسة الآخرة، قال ابن رشيد: ليس في حديث الباب تعيين محل القول، لكن يؤخذ ذلك من قوله " فإذا صلى أحدكم فليقل " فإن ظاهر قوله " إذا صلى " أي أتم صلاته، لكن تعذر الحمل على الحقيقة لأن التشهد لا يكون بعد السلام، فلما تعين المجاز كان حمله على آخر جزء من الصلاة أولى لأنه هو الأقرب إلى الحقيقة. قلت: وهذا التقرير على مذهب الجمهور في أن السلام جزء من الصلاة، لا أنه للتحلل منها فقط، والأشبه بتصرف البخاري أنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه من تعيين محل القول كما سيأتي قريبا. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الشرح: قوله: (عن شقيق) في رواية يحيى الآتية بعد باب " عن الأعمش حدثني شقيق". قوله: (كنا إذا صلينا) في رواية يحيى المذكورة " كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة " ولأبي داود عن مسدد شيخ البخاري فيه " إذا جلسنا " ومثله للإسماعيلي من رواية محمد بن خلاد عن يحيى، وله من رواية علي بن مسهر، ولابن إسحاق في مسنده عن عيسى بن يونس كلاهما عن الأعمش نحوه. قوله: (قلنا السلام على جبريل) وقع في هذه الرواية اختصار ثبت في رواية يحيى المذكورة وهو " قلنا السلام على الله من عباده " كذا وقع للمصنف فيها، وأخرجه أبو داود عن مسدد شيخ البخاري فيه فقال " قبل عباده " وكذا للمصنف في الاستئذان من طريق حفص بن غياث عن الأعمش وهو المشهور في أكثر الروايات وبهذه الزيادة يتبين موقع قوله صلى الله عليه وسلم "إن الله هو السلام " ولفظه في رواية يحيى المذكورة " لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام". قوله: (السلام على فلان وفلان) في رواية عبد الله بن نمير عن الأعمش عند ابن ماجه يعنون الملائكة، وللإسماعيلي من رواية على بن مسهر " فنعد الملائكة " ومثله للسراج من رواية محمد بن فضيل عن الأعمش بلفظ " فنعد من الملائكة ما شاء الله". قوله: (فالتفت) ظاهره أنه كلمهم بذلك في أثناء الصلاة، ونحوه في رواية حصين عن أبي وائل وهو شقيق عند المصنف، في أواخر الصلاة بلفظ " فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قولوا " لكن بين حفص بن غياث في روايته المذكورة المحل الذي خاطبهم بذلك فيه وأنه بعد الفراغ من الصلاة ولفظه " فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل علينا بوجهه " وفي رواية عيسى بن يونس أيضا " فلما انصرف من الصلاة قال". قوله: (إن الله هو السلام) قال البيضاوي ما حاصله: أنه صلى الله عليه وسلم أنكر التسليم على الله وبين أن ذلك عكس ما يجب أن يقال، فإن كل سلام ورحمة له ومنه وهو مالكها ومعطيها. وقال التوربشتي: وجه النهي عن السلام على الله لأنه المرجوع إليه بالمسائل المتعالي عن المعاني المذكورة فكيف يدعى له وهو المدعو على الحالات. وقال الخطابي: المراد أن الله هو ذو السلام فلا تقولوا السلام على الله فإن السلام منه بدأ وإليه يعود، ومرجع الأمر في إضافته إليه أنه ذو السلام من كل آفة وعيب. ويحتمل أن يكون مرجعها إلى حظ العبد فيما يطلبه من السلامة من الآفات والمهالك. وقال النووي: معناه أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، يعني السالم من النقائص، ويقال: المسلم أولياء وقيل المسلم عليهم، قال ابن الأنباري أمرهم أن يصرفوه إلى الخلق لحاجتهم إلى السلامة وغناه سبحانه وتعالى عنها. قوله: (فإذا صلى أحدكم فليقل) بين حفص في روايته المذكورة محل القول ولفظه " فإذا جلس أحدكم في الصلاة " وفي رواية حصين المذكورة " إذا قعد أحدكم في الصلاة " وللنسائي من طريق أبي الأحوص عن عبد الله " كنا لا ندري ما نقول في كل ركعتين، وأن محمدا علم فواتح الخير وخواتمه فقال: إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا " وله من طريق الأسود عن عبد الله " فقولوا في كل جلسة " ولابن خزيمة من وجه آخر عن الأسود عن عبد الله " علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في وسط الصلاة وفي آخرها " وزاد الطحاوي من هذا الوجه في أوله " وأخذت التشهد من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقننيه كلمة كلمة " وللمصنف في الاستئذان من طريق أبي معمر عن ابن مسعود " علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وكفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن " واستدل بقوله " فليقل " على الوجوب خلافا لمن لم يقل به كمالك، وأجاب بعض المالكية بأن التسبيح في الركوع والسجود مندوب، وقد وقع الأمر به في قوله صلى الله عليه وسلم لما نزلت انتهى. وفي دعوى هذا الإجماع نظر، فإن أحمد يقول بوجوبه ويقول بوجوب التشهد الأول أيضا، ورواية أبي الأحوص المتقدمة وغيرها تقويه، وقد قدمنا ما فيه قبل بباب، وقد جاء عن ابن مسعود التصريح بفرضية التشهد، وذلك فيما رواه الدار قطني وغيره بإسناد صحيح من طريق علقمة عن ابن مسعود " كنا لا ندري ما نقول قبل أن يفرض علينا التشهد". قوله: (التحيات) جمع تحية ومعناها السلام وقيل البقاء وقيل العظمة وقيل السلامة من الآفات والنقص وقيل الملك. وقال أبو سعيد الضرير: ليست التحية الملك نفسه لكنها الكلام الذي يحيا به الملك. وقال ابن قتيبة: لم يكن يحيا إلا الملك خاصة، وكان لكل ملك تحية تخصه فلهذا جمعت، فكان المعنى التحيات التي كانوا يسلمون بها على الملوك كلها مستحقة لله. وقال الخطابي ثم البغوي: ولم يكن في تحياتهم شيء يصلح للثناء على الله، فلهذا أبهمت ألفاظها واستعمل منها معنى التعظيم فقال: قولوا التحيات لله، أي أنواع التعظيم له. وقال المحب الطبري: يحتمل أن يكون لفظ التحية مشتركا بين المعاني المقدم ذكرها، وكونها بمعنى السلام أنسب هنا. قوله: (والصلوات) قيل المراد الخمس، أو ما هو أعم من ذلك من الفرائض والنوافل في كل شريعة وقيل المراد العبادات كلها، وقيل الدعوات، وقيل المراد الرحمة، وقيل التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات الفعلية والطيبات الصدقات. قوله: (والطيبات) أي ما طاب من الكلام وحسن أن يثنى به على الله دون ما لا يليق بصفاته مما كان الملوك يحيون به، وقيل الطيبات ذكر الله، وقيل الأقوال الصالحة كالدعاء والثناء، وقيل الأعمال الصالحة وهو أعم، قال ابن دقيق العيد: إذا حمل التحية على السلام فيكون التقدير التحيات التي تعظم بها الملوك مستمرة لله، وإذا حمل على البقاء فلا شك في اختصاص الله به، وكذلك الملك الحقيقي والعظمة التامة، وإذا حملت الصلاة على العهد أو الجنس كان التقدير أنها لله واجبة لا يجوز أن يقصد بها غيره، وإذا حملت على الرحمة فيكون معنى قوله " لله " أنه المتفضل بها لأن الرحمة التامة لله يؤتيها من يشاء. وإذا حملت على الدعاء فظاهر، وأما الطيبات فقد فسرت بالأقوال، ولعل تفسيرها بما هو أعم أولى فتشمل الأفعال والأقوال والأوصاف، وطيبها كونها كاملة خالصة عن الشوائب. وقال القرطبي: قوله " لله " فيه تنبيه على الإخلاص في العبادة، أي أن ذلك لا يفعل إلا لله، ويحتمل أن يراد به الاعتراف بأن ملك الملوك وغير ذلك مما ذكر كله في الحقيقة لله تعالى. وقال البيضاوي: يحتمل أن يكون والصلوات والطيبات عطفا على التحيات، ويحتمل أن تكون الصلوات مبتدأ وخبره محذوف والطيبات معطوفة عليها والواو الأولى لعطف الجملة على الجملة، والثانية لعطف المفرد على الجملة. وقال ابن مالك: إن جعلت التحيات مبتدأ ولم تكن صفة لموصوف محذوف كان قولك والصلوات مبتدأ لئلا يعطف نعت على منعوته فيكون من باب عطف الجمل بعضها على بعض، وكل جملة مستقلة بفائدتها، وهذا المعنى لا يوجد عند إسقاط الواو. قوله: (السلام عليك أيها النبي) قال النووي: يجوز فيه وفيما بعده أي السلام حذف اللام وإثباتها والإثبات أفضل وهو الموجود في روايات الصحيحين. قلت: لم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بحذف اللام، وإنما اختلف ذلك في حديث ابن عباس وهو من أفراد مسلم، قال الطيبي: أصل سلام عليك سلمت سلاما عليك، ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه، وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره، ثم التعريف إما للعهد التقديري، أي ذلك السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء عليك أيها النبي، وكذلك السلام الذي وجه إلى الأمم السالفة علينا وعلى إخواننا، وإما للجنس والمعنى أن حقيقة السلام الذي يعرفه كل واحد وعمن يصدر وعلى من ينزل عليك وعلينا، ويجوز أن يكون للعهد الخارجي إشارة إلى قوله تعالى انتهى. وحكى صاحب الإقليد عن أبي حامد أن التنكير فيه للتعظيم، وهو وجه من وجوه الترجيح لا يقصر عن الوجوه المتقدمة. وقال البيضاوي: علمهم أن يفردوه صلى الله عليه وسلم بالذكر لشرفه ومزيد حقه عليهم، ثم علمهم أن يخصصوا أنفسهم أولا لأن الاهتمام بها أهم، ثم أمرهم بتعميم السلام على الصالحين إعلاما منه بأن الدعاء للمؤمنين ينبغي أن يكون شاملا لهم. وقال التوربشتي: السلام بمعنى السلامة كالمقام والمقامة، والسلام من أسماء الله تعالى وضع المصدر موضع الاسم مبالغة، والمعنى أنه سالم من كل عيب وآفة ونقص وفساد، ومعنى قولنا السلام عليك الدعاء أي سلمت من المكاره، وقيل معناه اسم السلام عليك كأنه تبرك عليه باسم الله تعالى. فإن قيل كيف شرع هذا اللفظ وهو خطاب بشر مع كونه منهيا عنه في الصلاة؟ فالجواب أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فإن قيل ما الحكمة في العدول عن الغيبة إلى الخطاب في قوله عليك أيها النبي مع أن لفظ الغيبة هو الذي يقتضيه السياق كأن يقول السلام على النبي فينتقل من تحية الله إلى تحية النبي ثم إلى تحية النفس ثم إلى الصالحين، أجاب الطيبي بما محصله: نحن نتبع لفظ الرسول بعينه الذي كان علمه الصحابة. ويحتمل أن يقال على طريق أهل العرفان: إن المصلين لما استفتحوا باب الملكوت بالتحيات أذن لهم بالدخول في حريم الحي الذي لا يموت فقرت أعينهم بالمناجاة فنبهوا على أن ذلك بواسطة نبي الرحمة وبركة متابعته فالتفتوا فإذا الحبيب في حرم الحبيب حاضر فأقبلوا عليه قائلين: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ا هـ. وقد ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود هذا ما يقتضي المغايرة بين زمانه صلى الله عليه وسلم فيقال بلفظ الخطاب، وأما بعده فيقال بلفظ الغيبة، وهو مما يخدش في وجه الاحتمال المذكور، ففي الاستئذان من صحيح البخاري من طريق أبي معمر عن ابن مسعود بعد أن ساق حديث التشهد قال " وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا السلام " يعني على النبي، كذا وقع في البخاري، وأخرجه أبو عوانة في صحيحه والسراج والجوزقي وأبو نعيم الأصبهاني والبيهقي من طرق متعددة إلى أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ " فلما قبض قلنا السلام على النبي " بحذف لفظ يعني، وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي نعيم، قال السبكي في شرح المنهاج بعد أن ذكر هذه الرواية من عند أبي عوانة وحده: إن صح هذا عن الصحابة دل على أن الحطاب في السلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم غير واجب فيقال السلام على النبي. قلت: قد صح بلا ريب وقد وجدت له متابعا قويا. قال عبد الرزاق: " أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء أن الصحابة كانوا يقولون والنبي صلى الله عليه وسلم حي: السلام عليك أيها النبي، فلما مات قالوا: السلام على النبي " وهذا إسناد صحيح. وأما ما روى سعيد بن منصور من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد فذكره قال فقال ابن عباس: إنما كنا نقول السلام عليك أيها النبي إذ كان حيا، فقال ابن مسعود: هكذا علمنا وهكذا نعلم، فظاهر أن ابن عباس قاله بحثا وأن ابن مسعود لم يرجع إليه، لكن رواية أبي معمر أصح لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه والإسناد إليه مع ذلك ضعيف، فإن قيل لم عدل عن الوصف بالرسالة إلى الوصف بالنبوة مع أن الوصف بالرسالة أعم في حق البشر؟ أجاب بعضهم بأن الحكمة في ذلك أن يجمع له الوصفين لكونه وصفه بالرسالة في آخر التشهد وإن كان الرسول البشري يستلزم النبوة، لكن التصريح بهما أبلغ. قيل والحكمة في تقديم الوصف بالنبوة أنها كذا وجدت في الخارج لنزول قوله تعالى قوله: (ورحمة الله) أي إحسانه، (وبركاته) أي زيادته من كل خير. قوله: (السلام علينا) استدل به على استحباب البداءة بالنفس في الدعاء وفي الترمذي مصححا من حديث أبي بن كعب " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه " وأصله في مسلم، ومنه قول نوح وإبراهيم عليهما السلام كما في التنزيل. قوله: (عباد الله الصالحين) الأشهر في تفسير الصالح أنه القائم بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده وتتفاوت درجاته، قال الترمذي الحكيم: من أراد أن يحظى بهذا السلام الذي يسلمه الخلق في الصلاة فليكن عبدا صالحا وإلا حرم هذا الفضل العظيم. وقال الفاكهاني: ينبغي للمصلي أن يستحضر في هذا المحل جميع الأنبياء والملائكة والمؤمنين، يعني ليتوافق لفظه مع قصده. قوله (فإنكم إذا قلتموها) أي " وعلى عباد الله الصالحين " وهو كلام معترض بين قوله الصالحين وبين قوله أشهد الخ، وإنما قدمت للاهتمام بها لكونه أنكر عليهم عد الملائكة واحدا واحدا ولا يمكن استيعابهم لهم مع ذلك، فعلمهم لفظا يشمل الجميع مع غير الملائكة من النبيين والمرسلين والصديقين وغيرهم بغير مشقة، وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم، وإلى ذلك الإشارة بقول ابن مسعود " وأن محمدا علم فواتح الخير وخواتمه " كما تقدم. وقد ورد في بعض طرقه سياق التشهد متواليا وتأخير الكلام المذكور بعد، وهو من تصرف الرواة، وسيأتي في أواخر الصلاة. قوله: (كل عبد لله صالح) استدل به على أن الجمع المضاف والجمع المحلى بالألف واللام يعم، لقوله أولا عباد الله الصالحين ثم قال أصابت كل عبد صالح. وقال القرطبي: فيه دليل على أن جمع التكسير للعموم، وفي هذه العبارة نظر واستدل به على أن للعموم صيغة، قال ابن دقيق العيد: وهو مقطوع به عندنا في لسان العرب وتصرفات ألفاظ الكتاب والسنة، قال: والاستدلال بهذا فرد من أفراد لا تحصى، لا للاقتصار عليه. قوله: قوله: (أشهد أن لا إله إلا الله) زاد ابن أبي شيبة من رواية أبي عبيدة عن أبيه " وحده لا شريك له " وسنده ضعيف، لكن ثبتت هذه الزيادة في حديث أبي موسى عند مسلم وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ. وفي حديث ابن عمر عند الدار قطني، إلا أن سنده ضعيف. وقد روى أبو داود من وجه آخر صحيح عن ابن عمر في التشهد " أشهد أن لا إله إلا الله " قال ابن عمر: زدت فيها " وحده لا شريك له " وهذا ظاهره الوقف. قوله: (وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) لم تختلف الطرق عن ابن مسعود في ذلك، وكذا هو في حديث أبي موسى وابن عمر وعائشة المذكور وجابر وابن الزبير عند الطحاوي وغيره " وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال " بينا النبي صلى الله عليه وسلم يعلم التشهد إذ قال رجل: وأشهد أن محمدا رسوله وعبده، فقال عليه الصلاة والسلام: لقد كنت عبدا قبل أن أكون رسولا. قل: عبده ورسوله " ورجاله ثقات إلا أنه مرسل، وفي حديث ابن عباس عند مسلم وأصحاب السنن " وأشهد أن محمدا رسول الله " ومنهم من حذف " وأشهد " ورواه ابن ماجه بلفظ ابن مسعود، قال الترمذي: حديث ابن مسعود روي عنه من غير وجه، وهو أصح حديث روي في التشهد والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم. قال: وذهب الشافعي إلى حديث ابن عباس في التشهد. وقال البزار لما سئل عن أصح حديث في التشهد قال: هو عندي حديث ابن مسعود، وروى من نيف وعشرين طريقا، ثم سرد أكثرها وقال: لا أعلم في التشهد أثبت منه ولا أصح أسانيد ولا أشهر رجالا ا هـ. ولا اختلاف بين أهل الحديث في ذلك، وممن جزم بذلك البغوي في شرح السنة، ومن رجحانه أنه متفق عليه دون غيره، وأن الرواة عنه من الثقات لم يختلفوا في ألفاظه بخلاف غيره، وأنه نلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم تلقينا فروى الطحاوي من طريق الأسود بن يزيد عنه قال " أخذت التشهد من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقننيه كلمة كلمة " وقد تقدم أن في رواية أبي معمر عنه " علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وكفي بين كفيه " ولابن أبي شيبة وغيره من رواية جامع بن أبي راشد عن أبي وائل عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن " وقد وافقه على هذا اللفظ أبو سعيد الخدري وساقه بلفظ ابن مسعود أخرجه الطحاوي، لكن هذا الأخير ثبت مثله في حديث ابن عباس عند مسلم ورجح أيضا بثبوت الواو في الصلوات والطيبات، وهي تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه فتكون كل جملة ثناء مستقلا، بخلاف ما إذا حذفت فإنها تكون صفة لما قبلها، وتعدد الثناء في الأول صريح فيكون أولى، ولو قيل إن الواو مقدرة في الثاني، ورجح بأنه ورد بصيغة الأمر بخلاف غيره فإنه مجرد حكاية. ولأحمد من حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه التشهد وأمره أن يعلمه الناس، ولم ينقل ذلك لغيره، ففيه دليل على مزيته. وقال الشافعي بعد أن أخرج حديث ابن عباس: رويت أحاديث في التشهد مختلفة، وكان هذا أحب إلي لأنه أكملها. وقال في موضع آخر، وقد سئل عن اختياره تشهد ابن عباس: لما رأيته واسعا وسمعته عن ابن عباس صحيحا كان عندي أجمع وأكثر لفظا من غيره، وأخذت به غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح. ورجحه بعضهم بكونه مناسبا للفظ القرآن في قوله تعالى وفي الجملة لم تصح هذه الزيادة. وقد ترجم البيهقي عليها " من استحب أو أباح التسمية قبل التحية " وهو وجه لبعض الشافعية وضعف، ويدل على عدم اعتبارها أنه ثبت في حديث أبي موسى المرفوع في التشهد وغيره " فإذا قعد أحدكم فليكن أول قوله التحيات لله " الحديث. كذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بسنده. وأخرج مسلم من طريق عبد الرزاق هذه، وقد أنكر ابن مسعود وابن عباس وغيرهما على من زادها أخرجه البيهقي وغيره. ثم إن هذا الاختلاف إنما هو في الأفضل وكلام الشافعي المتقدم يدل على ذلك، ونقل جماعة من العلماء الاتفاق على جواز التشهد بكل ما ثبت، لكن كلام الطحاوي يشعر بأن بعض العلماء يقول بوجوب التشهد المروي عن عمر، وذهب جماعة من محدثي الشافعية كابن المنذر إلى اختيار تشهد ابن مسعود، وذهب بعضهم كابن خزيمة إلى عدم الترجيح، وقد تقدم الكلام عن المالكية أن التشهد مطلقا غير واجب، والمعروف عند الحنفية أنه واجب لا فرض، بخلاف ما يوجد عنهم في كتب مخالفيهم. وقال الشافعي: هو فرض، لكن قال: لو لم يزد رجل على قوله " التحيات لله سلام عليك أيها النبي الخ " كرهت ذلك له ولم أر عليه إعادة، هذا لفظه في الأم. وقال صاحب الروضة تبعا لأصله: وأما أقل التشهد فنص الشافعي وأكثر الأصحاب إلى أنه. . فذكره، لكنه قال " وأن محمدا رسول الله " قال: ونقله ابن كج والصيدلاني فقالا " وأشهد أن محمدا رسول الله " لكن أسقطا " وبركاته " ا هـ. وقد استشكل جواز حذف " الصلوات " مع ثبوتها في جميع الروايات الصحيحة وكذلك " الطيبات " مع جزم جماعة من الشافعية بأن المقتصر عليه هو الثابت في جميع الروايات، ومنهم من وجه الحذف بكونهما صفتين كما هو الظاهر من سياق ابن عباس، لكن يعكر على هذا ما تقدم من البحث في ثبوت العطف فيهما في سياق غيره وهو يقتضي المغايرة. (فائدة) : قال القفال في فتاويه: ترك الصلاة يضر بجميع المسلمين لأن المصلي يقول: اللهم اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات، ولا بد أن يقول في التشهد " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " فيكون مقصرا بخدمة الله وفي حق رسوله وفي حق نفسه وفي حق كافة المسلمين، ولذلك عظمت المعصية بتركها. واستنبط منه السبكي أن في الصلاة حقا للعباد مع حق الله، وأن من تركها أخل يحق جميع المؤمنين من مضى ومن يجيء إلى يوم القيامة لوجوب قوله فيها " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين". (تنبيه) : ذكر خلف في الأطراف أن في بعض النسخ من صحيح البخاري عقب حديث الباب في التشهد عن أبي نعيم " حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن الأعمش ومنصور وحماد عن أبي وائل " وبذلك جزم أبو نعيم في مستخرجه فأخرجه من طريق أبي نعيم عن الأعمش به. ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان به، ثم أخرجه من طريق أبي نعيم عن يوسف بن سليمان وقال: أخرجه البخاري عن أبي نعيم فيما أرى ا هـ. وبذلك جزم المزي في الأطراف، ولم أره في شيء من الروايات التي اتصلت لنا هنا لا عن قبيصة ولا عن أبي نعيم عن سيف، نعم هو في الاستئذان عن أبي نعيم. بهذا الإسناد، والله أعلم.
|